
بعد أيام قليلة على الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار عند الرابعة صبيحة الأربعاء في 27 تشرين الثاني الماضي، انتظر اللبنانيون اياماً للتثبت مما يوفره من استقرار وأمن وهدوء إلى أن تيقنوا من انّه لن يكون كاملاً ولا شاملاً قبل ان تتوقف الاعتداءات الاسرائيلية المتمادية لليوم السادس على التوالي، وإلى ان يكتمل انسحابها بعد 60 يوماً. ولذلك فهم يسعون إلى تلمّس خريطة الطريق المؤدية إلى تطبيق مندرجاته بدءاً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقرى الحدودية وانسحاب «حزب الله» الى ما وراء مجرى نهر الليطاني تمهيداً لتعزيز انتشار الجيش في تلك المنطقة وحتى الحدود الجنوبية، وليمسك بأمن المنطقة إلى جانب بقية القوى الأمنية الأخرى كما عدّدها القرار 1701 في اعتبارها القوة الوحيدة التي أُنيطت بها هذه المهمّة بالتنسيق والتعاون مع قوات الأمم المتحدة المعززة («اليونيفيل») ومن دون اي شريك آخر.
وتزامناً مع ما كان مطروحاً من أسئلة حول الآلية التي ستُعتمد لضمان تنفيذ الخطوات العسكرية المطلوبة في المرحلة الاولى، لم يتبلّغ اللبنانيون بعد سوى بوصول رئيس لجنة الإشراف الخماسية المكلفة مهمّة ضمان تطبيق القرار 1701 الجنرال الأميركي جاسبير جيفيرز، والذي لم يتعرّف إليه اللبنانيون قبل زيارته الاولى لقائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة للبحث في ما سمّته مديرية التوجيه في بيانها الرسمي «الأوضاع العامة وآلية التنسيق بين الأطراف المعنية في الجنوب».
وإلى هذه الوقائع تترقّب الأوساط الديبلوماسية والسياسية الحراك السياسي المنتظر لمقاربة ملف الاستحقاق الرئاسي. فالدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب لعقد جلسة انتخابية في 9 كانون الثاني ما زالت موضع جدال لمعرفة الخلفيات التي بنى عليها بري موعدها، فكل خطواته في هذه المرحلة باتت موضع ترقّب وحذر لتبيان ما هدف اليه، بعدما استبق وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى مكتبه في ساحة النجمة بتوجيه الدعوة في مستهل الجلسة التشريعية التي كانت مخصصة لتمديد ولاية قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية سنة كاملة ومعهم الضباط من رتبة عميد وما فوق.
وفي أول تعليق على الأوصاف الجديدة السياسية لهوكشتاين والعسكرية لجيفيرز، احتار المراقبون حيال من سيلعب دور «الحاكم الأميركي» الذي قاد العراق الجنرال بول بريمر بعد انتهاء غزوه، وأشرف على كل شاردة وواردة في تلك المرحلة لإعادة بناء العراق على أسس أنهت مفاعيل حكم صدام حسين في نيسان 2003. وهو أمر قاد هؤلاء المراقبين إلى القول انّ «الرئيس المدني» الأميركي سواء بقي هوكشتاين أو غيره، ستكون له الكلمة الأساسية على المستوى السياسي، لتُدرج مسألة انتخاب الرئيس من ضمنها، بحيث انّ الايام المقبلة بما تحمله من تطورات ستكون كفيلة بتسمية رئيس الجمهورية الجديد، لأنّه بكل تأكيد لن يكون «طبخة لبنانية خالصة». وربما سيكون لواشنطن دور في التوفيق بين أعضاء الخماسية الديبلوماسية لاختيار هذا الرئيس الذي يجمعهم واللبنانيين ولا يفرّقهم في آن. فلم يعد سراً القول انّ «الخماسية العربية والدولية» بآرائها المختلفة باتت تعكس ما يعيشه اللبنانيون من فرز سياسي تجاه هذا المرشح او ذاك، وهو ما سيثبت في الايام المقبلة وإلى فترة لا تتعدى مدار 9 كانون الثاني المقبل.